فلسفة الحرب في الفكر الديني الإسرائيلي – محمد جلال إدريس

السياسة والعلوم السياسية ,

مقدمة الكتاب:

من الأمور الملفتة للانتباه في نصوص العهد القديم تلك المعالجة المسهبة لظاهرة الحرب وكثرة وقوعها دون أن يقتصر شيوعها على مرحلة دون أخرى من تاريخ أصحابها. ومحاولتي هنا لدراسة هذه الظاهره ليست فريدة، فهناك كتابات عربية وغير عربية عالجت موضوع الحرب في النصوص العبرية المقدسة، ولكنى على يقين من أن لكل وجهته وفهمه للنصوص، وطرق ربطه واستنتاجاته.

إن أبرز ما جذبنى للكتابة في هذا الموضوع هو اقتناعي بأن هذه النصوص قد باتت مقنعة للكثيرين، فهي بمثابة دعاية للحرب، اتخذت لها قواعد وعمداً استطاعت أن تكسب بها مظهر الصدق لبساطة فى عرضها، وتكرار لمحتوياتها، حتى تمكنت من مشاعر الناس، ورسخت في أذهانهم.

ولا يمكن لنا أن نفصل بين تاريخ الحروب الإسرائيلية فى القديم والحديث، ولكني آثرت أن أكتفى بمعالجة الشق الأول بإسهاب وأترك تفاصيل الشق الثاني لغيري، وإن كنا لانعدم وجود وحدة موضوعية بارزة بين عناصر الحروب الإسرائيلية كما نقلتها لنا أسفار العهد القديم وعناصرها كما سجلها لنا تاريخ منطقتنا المعاصر، ولذلك اكتفيت بمقارنة موجزة الحروب الماضى مع حروب الحاضر في خاتمة هذه الدراسة.

كما زاد اقتناعي بأن معرفة إسرائيل المعاصرة، والوقوف على فكرها السياسي والحربي لا يمكن أن يتم إلا من خلال دراسة العهد القديم دراسة عميقة، حيث تمكننا مثل هذه الدراسة من التنبؤ بما يمكن أن تكون عليه الأحداث الجارية، وما يمكن أن تكون عليه خرائط المستقبل فالإسرائيليون لا يخفون كتابهم، ولا يفاجئون بأفعالهم إلا السذج، لأن القارئ لنصوصهم يمكن له بسهولة أن يحدد خطواتهم الآن، وغداً.

وإذ أسجل على هذه الصفحات تحليلاً لظاهرة الحرب وتوابعها في تاريخ بني إسرائيل القديم، فإنى أسجل في نفس الوقت شهادة وثائقهم من خلال إيراد كثير من النصوص الدينية المقدسة المتعلقة بالحروب لتكون شهادة أمام تاريخ البشرية جمعاء.